الدين البهائي ومبدأ عدم التدخل في السياسة



تحرّم المباديء البهائية الاشتغال بالسياسة وقبول المناصب الحكومية المرتبطة بالسياسة أو حتى مجرد الإنتماء الى الأحزاب السياسة أو حتى ما يبدو منه ما يشبه السياسة مثل الفرق الغير مفتوحة للجميع أو غير العلنية مثل الماسونية وغيرها.

وتدعوا تعاليم حضرة بهاء الله أتباعه الى التعامل مع الحكومات بكل أمانة ووفاء في اي بلد يسكنوه وتؤكد على وجوب إطاعة الحكومة في كل الامور إلّا في إنكار العقيدة

 ويتفضّل حضرة بهاء الله مؤكّدا على هذا المبدأ الجوهري:

"إن هذا الحزب (*) إذا أقام في بلاد أي دولة يجب عليه أن يسلك مع تلك الدولة بالأمانة والصدق والصفاء هذا ما نزل من لدن آمر قديم " (لوح البشارات)

وكذلك قوله:

 

"ليس لأحد أن يعترض على الذين يحكمون على العباد دعوا لهم ما عندهم وتوجهوا إلى القلوب" (الكتاب الأقدس)

 

لقد جاءت كل الأديان للتآخي والوفاق ومنها الدين البهائي الذي جاء للألفة والتعاون واتّحاد من على الأرض جميعا، بينما نرى أنّ سياسة الأحزاب المتعارضة هي بطبيعتها تفرّق بين مؤيّدي هذا الحزب ومؤيّدي الطرف الآخر، وحتى بين أفراد العائلة الواحدة في بعض الأحيان. وجاءت الأديان لإحياء القلوب وإصلاحها ولم تأت للغلبة الدنيوية أو السلطة الظاهرية. وينتج عن مثل هذا المبدأ ان لا تتصادم فئات المجتمع فيما بينها ... بل ينتج عنه أيضا حفظ وحدة البهائيين في العالم  الذي يعيش أتباعه في أكثر من 235 دولة من دول العالم في الوقت الحاضر، حين الذي لا تتفق حكومات أغلب هذه الدول فيما بينها .

 

إنّ هذا المبدأ -في حد ذاته- لا يعني الإنعزال عن المجتمع والإنطواء على النفس ، فمثلا نرى أنّ البهائيين يشاركون في الإنتخابات العامة في البلدان التي تسمح للأفراد أن يصوّتوا من دون أن ينتموا الى حزب معين ويكون تصويتهم في هذه الحالة للأفراد الكفوئين بصفتهم أفراد مستقلين ولصفاتهم المؤهلة كمواطنين صالحين وليس للأحزاب التي ينتمون اليها.

 

وكذلك لا يعني هذا المبدأ انّ البهائيين لا يبالون بمعاناة المظلومين من  المستضعفين أو اللاجئين أو ضحايا الفقر والتعصبات العنصرية أو المذهبية أوالسياسات الخاطئة . أو أنهم لا يهدفون الى تغيير أوضاع المجتمع البالية والمساوئ المنتشرة والمضار المؤلمة.  على العكس فالبهائيون يؤمنون بخدمة البشرية، ولكنهم يقومون بذلك عن طريق البناء وليس الهدم، وعن طريق المشاورة وعرض الآراء، وعن طريق الإعلام، والثقافة، والتربية ونشر الوعي العام، وعن طريق العمل من خلال المنظّمات غير الحكومية، كالمنظمات التابعة للأمم المتحدة والهيئات العالمية الأخرى التي لا تتدخل في السياسات المحلية مثل الهيئات الطبية والثقافية والإجتماعية وليس عن طريق المعارضة والصراع والتصدي. وكذلك عن طريق العمل من خلال الهيئات الإدارية البهائية التي تعمل مع الآخرين على نشر مبادئ العدالة الإجتماعية وحقوق الإنسان في المدارس والمعاهد الثقافية وغيرها.  وبسبب الانتشار الجغرافي الواسع للبهائيين في شتّى أنحاء العالم أصبح نجاحهم في إنشاء مجتمعات حقيقية مبنية على التعاليم البهائية تتمثل فيها مبادئ دينهم واقعا وليس حلما.  فهم يدعون الناس لأن يروا بأنفسهم النتائج العملية لتطبيق هذه المبادئ ليدركوا أنّ ما يظنّه البعض مثاليات تربوية قد صار في الحقيقة وبالفعل في حيز التطبيق والواقع.  

 

وإتباعا لنفس المبادئ، لا ينحاز البهائيون إلى جانب دولة ضد دولة أخرى.  لان انحيازهم لأية دولة هو إعلان بعدم الحيادية. ولكن هذا لا يعني عدم الولاء التام لتلك الدولة والعمل على خدمة وتطور المجتمع الذي يعيشون فيه،  فهم يفضلون العمل على خدمة أفراد المجتمع البشري وصلاحه بدل التدخل بالأمور السياسية.

 

ورغم أنّنا في هذه الصفحة نتكلم بصورة عامة عن مبدأ عدم التدخل بالسياسة إلا أنّنا ولسبب التوضيح نذكر نتعرض بشكل مبسط لما يردّده الكثيرون هذه الأيام وهو اتهام البهائيين بمساندة إسرائيل (**) أو قوى الاستعمار الغربية في حين يتبين مما أدرج سابقا أن مثل هذا التدخل تحرمه المبادئ البهائية بصريح النص.  بالإضافة لذلك فان تاريخ تواجد البهائيين في المجتمع العربي وعدم تدخلهم في السياسات المحلية والدولية وغيرها لأكبر دليل على إتباع البهائيين لهذا المبدأ.  أن نزاهتهم، وصدقهم، وولائهم للمجتمعات التي يعيشون فيها، وتجنبهم السياسة أمر يقر به كل من عرفهم من أصدقاء وأقارب وجيران وزملاء في العمل، وكذلك كل من راقبهم من الجهات الأمنية في بلدانهم.

 

 

(*)الحِزْبُ جَماعةُ الناسِ ،  و حِزْبُ الرجل : أَصْحابُه وجُنْدُه الذين على رأْيِه ،  وفي الحديث :  طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبي مَن القُرْآنِ ، فأَحْبَبْتُ أَن لا أَخْرُج حتى أَقْضِيَه  طرأَ عليَّ : يريد أَنه بَدأَ في حِزْبه ، كأَنـَّه طَلَعَ عليهِ ، من قولك : طَرَأَ فلان إلى بلَد كذا وكذا ، فهو طارئٌ إليه ، أَي إِنه طَلَعَ إليه حديثاً ، وهو غير تانِئٍ به -- محيط المحيط
 
 الحِزْبُ : الأرض الغليظة الشديدة. ـ: الجماعة فيها قوّة وصلابة. ـ: كلّ قوم اجتمعوا على كلمة واحدة أُولَئِكَ حِزْبُ اللهِ. ـ: الطائفة كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. ـ: الوِرْدُ. ـ: النصيبُ. ـ الرّجلِ: أصحابه وأعوانه. ـ: مجموعة من الناس معارضة لمجموعة أخرى من حيث الآراء والمصالح وغيرها ج أَحْزابٌ.         -- المحيط

 

(**) أما عن العلاقة المزعومة بين البهائيين واسرائيل فان هذه التهم يبنيها مروجيها على وجود الأماكن المقدسة للبهائيين ومركزهم الإداري العالمي في ما اصبح الآن اسرائيل وهم في هذا يغضون النظر عن ان سبب هذا التواجد الجغرافي هو نفي حضرة بهاء الله في سنة 1868م بفرمان خليفة المسلمين آنها ، السلطان عبد العزيز ، الى سجن قلعة عكاء بتحريض من سفير الحكومة القاجارية.  وتم اختيار ذلك السجن بالذات لسوء الاوضاع فيه الى درجة ان سماه بهاء الله بالسجن الأعظم في كتاباته وكان القليل من سجناء تلك القلعة يبقى على فيد الحياة  في السجن أكثر من سنة أو سنتين لكثرة الامراض الوبيئة ورداءة الماء والهواء فيها . وفاة حضرة بهاء الله سنة 1892 م في ضواحي عكاء دفنت رفاته هناك وأصبحت ذلك الموقع مزارا لأتباعه. كان بهاء الله ما زال يعتبر حين وفاته من سجناء الحكم العثماني ولم يفرج عن وأتباعه الذين تم نفيهم معه إلى فلسطين، إلا بعد سقوط العائلة العثمانية المالكة خلال ثورة تركيا الفتاة في سنة 1908 م . وبعد إطلاق سراحهم قرر أكثر هؤلاء البهائيين البقاء في فلسطين بعد ان عاشوا فيها اكثر من أربعين سنة وأصبحوا من سكانها.  وفي سنة  1909 و حسب وصية بهاء الله  ، دفنت رفاة حضرة الباب الذي بشر بمجئ بهاء الله ، على سفح جبل الكرمل في مدينة حيفا . و بسبب هذه الأماكن المقدسة لدى البهائيين استمر تواجدهم في فلسطين ومازال المقر الإداري العالمي لهم هناك الى وقتنا الحالي . إذا ً ، كان نفي بهاء الله الى فلسطين 80 عاما قبل تكوين حكومة اسرائيل وحتى وفاته ودفن رفاته هناك كانت 56 عاما قبل إعلان إسرائيل كدولة. هذا يؤكد بان بواجد البهائيين في الأراضي المقدسة لا علاقة له بتكوين دولة إسرائيل . ومن الجدير بالذكر هنا ان البهائيين  إلى وقتنا الحاضر لا يسمح لهم بان ينشروا تعاليم دينهم في تلك الديار.  فكما أن بعض الأماكن المقدسة للمسيحيين والمسلمين مثل كنيسة المهد وقبة الصخرة تقع الآن ضمن الحدود الحالية لإسرائية، فان بعض الأماكن المقدسة لدى البهائيين تقع ضمن هذه الحدود أيضا.

 



Copyright 2006
albahaiyah.com